إلي رحمة
الله
2– الشاعر والأديب الأردي
الكبير أحمد نديم القاسمي
1335-1427هـ
= 1916-2006م
وَدَّعت الأوساط الأدبية الأردية في شبه القارة الهندية الشاعر والأديب الأردي الكبير أحمد نديم القاسمي إلى رحمة الله بقلوب ملؤها الحزن والأسى . وقد وافته المنية بمدينة «لاهور» الباكستانية في الساعة العاشرة إلاّ الربع من صباح يوم الاثنين 13/6/1427هـ الموافق 10/7/2006م وكان في 92 من عمره بالنسبة إلى التقويم الهجري و 90 منه بالنسبة إلى التقويم الميلاديّ .
وكان
قد أدخل مستشفى يوم 8/ يوليو 2006م بمدينة «لاهور»
بعد ما شكا معاناة في التنفّس ؛ ولكنه لم يبرأ من مرضه رغم التركيز على علاجه
وتوفير أحدث التسهيلات الطبية ؛ لأنه إذا جاء الأجل لاينفع العمل .
قد
كان الشاعر الأديب أحمد نديم من الشعراء المطبوعين والأدباء النوابغ الكبار الذين
سلمت لهم الأوساط الأدبية والشعرية في شبه القارة الهندية بالأستاذية والسيادة .
ولم تكن كلمة «القاسمي»
نسبة إلى مؤسسة علمية أو دعوية وإنما كانت نسبة عائليّة التزم بها الشاعر الأديب
في التوقيع على جميع إنتاجاته الشعرية والنثرية التي أثرى بها المكتبة الأرديّة .
ولم
يكن شاعرًا أو أديبًا إسلاميًّا بالمعنى الاصطلاحي ؛ بل كان اشتراكي النزعة
وعلماني الميل كمعظم الأدباء والشعراء الأرديين الذين لم يحالفهم التوفيق الذي
حالف مثلَ الدكتور العلامة محمد إقبال (1290-1357هـ = 1873-1938م) وأنداده من
الشعراء الأدباء الذين اتخذوا رسالة الإسلام رسالتهم والتغني بمجده مهمة أساسيّة
لم يبرحوها ما داموا أحياء يرزقون .
وإنما
نوينا تسجيل نبذة من أحوال الشاعر الأديب أحمد نديم القاسمي لأنّه كان ممثلاً
لمدرسة شعرية أدبية ثرّة ، وكان رجلاً يمثل أمةً بكثرة إنتاجاته ووفرة أعماله
الأردية القيمة . وعاش حياةً حافلة بالأنشطة الأدبية التي توزعت بين اهتمامات
متنوعة من إنشاء وإدارة المجلات ، وتشجيع الأقران على احتضان الأدب والشعر، وكتابة
القصص والروايات ، وقرض الشعر المحكم الفصيح ، وقيادة الحركات الأدبية ، وتوجيه النشاطات
اللغوية ، والمساهمة في كل توجّه يرمي إلى تطوير اللغة ، وتعميمها وتشجيع العاملين
في حقلها بشكل من الأشكال . ويصحّ أن يقال : إنه وهب نفسه للأردية ووقف اهتماماته
عليها ؛ فكان لايفكرّ إلا فيها، ولايعيش إلاّ لها ؛ فأصبحت محطّ أعماله في الحياة
، وهوايته الوحيدة ؛ فلم يَمِلْ إلى تجربة حظّه في أي من التوجهات الأخرى مهما
كانت مغرية . وعلى رأسها التوجّه السياسيّ الذي كثيرًا ما يحلو للمثقفين أن يدلوا
بدلائهم في مجاله ، عسى أن ينالوا ما فاتهم من العزّ والجاه والتقدم الماديّ من
شغلهم الطويل في مجال الثقافة والأدب !.
كان
اسمه أصلاً «أحمد
شاه»
وقد وُلِدَ يوم 20/ نوفمبر 1916م الموافق 22/صفر 1335هـ في قرية «آنكه»
(Angah) بمديرية «خوشاب»
في البنجاب الشمالية الغربية ، وتلقّى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي، ونال شهادة
(B.A.) من كلية S E بمدينة «بهاولبور»
وهو في العشرين من عمره . وأصبح مُوَظَّفًا بمصلحة توزيع المياه . ولم تعجبه
الوظيفة لكونه توّاقًا إلى العلم والثقافة مطبوعًا على الإلمام بالمعارف ، فاستقال
منها ، وشغل صحفيًّا . ومال إلى قرض الشعر، وأول قصيدة قالها كانت رثاءً على وفاة
المناضل الكبير ضد الاستعمار الشيخ محمد على جوهر رحمه الله (1295-1349هـ =
1878-1931م) . وذلك عام 1931م ، وكانت أولى قصيدة طُبِعَت واشتهرت . وفي عام 1937م
تولّى إدارة مجلة «بهول»
(الزهرة) للأطفال ، ومجلة «تهذيب
نسوان»
(حضارة النساء) اللتين كانتا تصدران بمدينة «لاهور»
، عن «دارالإشاعة»
بمدينة «لاهور»
التي كان يملكها السيد «امتياز
علي تاج».
وكان يرأس تحريرهما السيد «غلام
عبّاس»
. وكانت فرصة طيبة لاشتهار أمره كأديب كاتب وشاعر، ومعرفة الأوساط الثقافية
بالمدينة به ، وكانت معرفته هذه مدينة للسيد صوفي تبسّم الذي كان يحبّه ويحبّ أن
يعرفه الأوساط الأرديّة . وفي عام 1943م أصبح نائب رئيس تحرير لمجلة «أدب
لطيف»
وتولّى هذا المنصب لعام 1945م أي مدة عامين. وفي عام 1947م عمل في مجلتي «سويرا»
و «نقوش»
الأدبيتين ، وفي هذا العام عمل بعض الوقت في إذاعة باكستان بمدينة «بشاور»
.
أصدر
الشاعر الأديب أحمد نديم القاسمي مجلته الخاصة عام 1963م باسم «فنون»
وكان يرعاها ويتعهدها بجده وسهره ، حتى بلغ بها القمة، وبقي يصدرها لآخر حياته ،
وكانت رمزًا على شخصيته الأدبية الممتازة . وفي عام 1947م وُلِّيَ منصب مدير «مجلس
ترقي أدب»
الذي ظل يشغله لآخر لحظة من حياته ، كما أصبح أمينًا عامًّا لفترة وجيزة «لمجلس
المؤلفين التقدميين» .
في
عام 1935م بدأ يهتم بقول الشعر بشكل مستقل ، ونشرت المجلات الأدبية كثيرًا من
قصائده المتنوعة الأغراض ، وإن كان قد بدأ رحلته الشعرية منذ عام 1927م ؛ لكنه لم
ينقطع إليها في بداية الطريق . وقد زج به إلى السجن في بعض الفترات لأن السلطات
شعر منه بالخطر على الأمن العام! .
الشاعر
الأديب أحمد نديم القاسمي كان يعتبر شاعرًا وأديبًا عالي الكعب فارع القدم . وقد
أنتج من الأدب السامي ما وسعه 55 مؤلفًا معظمها في فن القصص والروايات وبعضها في
النقد الأدبي . وله من مجموعات القصص أكثر من 15 مجموعة مطبوعة في صورة كتب
متداولة . أما دواوينه الشعرية فقد اشتهرت كلها . ومن بينها : «محيط»
و «جلال
وجمال»
و «دوام»
و «شعله
وكل»
و «رم
جهم»
و «لوح
خاك»
و «دشت
وفا»
. أما في النقد الأدبي فقد خلّف نحو 8 كتب كلها مطبوعة . ومن مجموعاته القصصية : «جوبال»
و «كباس
كا بهول»
و «كرداب»
و «بكول»
و «آنجل»
و «آس
باس»
و «درو
ديوار»
و «طلوع
وغروب»
و «برك
حنا»
و «سيلاب»
و «بازار
حيات»
و «نيلا
بتهر»
.
الجدير
بالذكر أن الشاعر الأديب أحمد نديم القاسمي ، قال قصائد عديدة في المديح النبوي ، تفيض
حبًّا وحنانًا ، ورقة و عذوبة ، ويَتَبَلْوَر فيها إيمانُ الشاعر بعظمة نبيه
الأعظم محمد ﷺ مما يؤكد أن تجواله
المكثف وتطوافه المتصل في أودية الأدب والشعر العلمانية أو الاشتراكية لم يؤثر على
إيمانه العميق بالله وبرسوله ﷺ
. ويقول في أحد أبياته في المديح النبوي : «سأراك
– أيها النبي ﷺ – في المحشر رؤية
مشبعة ، وكلما أفكّر في ذلك يأخذني الطرب الذي لايحدّه حدٌّ»
.
غفر
الله زلاّته ، وبدلّها حسنات ، وأدخله فسيح جنّاته .
* * *
مجلة
الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان - شوال 1427هـ = أكتوبر
- نوفمبر 2006م ، العـدد : 9-10 ، السنـة : 30.